كشفت وكالة رويترز، استناداً إلى أكثر من 12 مسؤولاً عسكرياً ومخابراتياً ودبلوماسياً، أن مهبط طائرات يقع في منطقة نائية جنوب شرق ليبيا لعب دوراً حاسماً في تغيير مسار الحرب الأهلية في السودان، عبر توفير شريان إمداد حيوي لقوات الدعم السريع المدعومة من أبوظبي في مواجهة الجيش السوداني.

وتخوض قوات الدعم السريع قتالاً دامياً ضد الجيش السوداني منذ أبريل 2023، على خلفية خلافات بشأن دمج القوتين ضمن مؤسسة عسكرية واحدة. وأسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد ملايين المدنيين، إلى جانب تفشي المجاعة في مناطق واسعة من البلاد. وتعود جذور قوات الدعم السريع إلى ميليشيا الجنجويد التي استخدمتها الحكومة السودانية قبل نحو عقدين في إقليم دارفور.

وبحسب المسؤولين، أسهمت الإمدادات العسكرية التي وصلت عبر مهبط الطائرات في مدينة الكفرة الليبية، على بعد نحو 300 كيلومتر من الحدود السودانية، في تعزيز قدرات قوات الدعم السريع بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس. وأتاح هذا الخط اللوجستي للجماعة شبه العسكرية فرض سيطرتها على مدينة الفاشر في أكتوبر، ما عزز نفوذها في دارفور وفتح الطريق أمام تقدمها في مناطق أخرى.

وبحسب رويترز، تقع منطقة الكفرة تحت سيطرة قائد عسكري ليبي متحالف مع أبوظبي، التي يتهمها خبراء في الأمم المتحدة وأعضاء في الكونغرس الأمريكي بدعم قوات الدعم السريع، وهي اتهامات تنفيها الإمارات باستمرار، مؤكدة أنها لا تدعم أي طرف في النزاع السوداني.

وتُظهر تحليلات لصور الأقمار الصناعية وبيانات تتبع الرحلات الجوية أن المطار، الذي كان شبه مهجور في السابق، خضع لعملية تحديث واسعة هذا العام، واستقبل عشرات رحلات الشحن منذ الربيع، بالتزامن مع تصاعد الوجود العسكري لقوات الدعم السريع في جنوب السودان.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة مطلع على عمليات الجماعة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن استخدام قوات الدعم السريع لخط الكفرة "غيّر قواعد اللعبة بالكامل"، إذ وفّر قناة مستقرة لإدخال الإمدادات والمقاتلين، وساهم في تعزيز الحصار الطويل المفروض على مدينة الفاشر.

من جهته، أوضح جاستن لينش، المدير الإداري لشركة "كونفليكت إنسايتس جروب"، أن شركته رصدت ما لا يقل عن 105 عمليات هبوط لطائرات شحن في مطار الكفرة بين أبريل ونوفمبر، من خلال مطابقة صور الأقمار الصناعية مع بيانات تتبع الرحلات. وأضاف أن نمط الرحلات ونوعية الطائرات المستخدمة "يتسقان مع اتهامات سابقة بدعم أبوظبي لقوات الدعم السريع"، مشيراً إلى أن جنوب ليبيا بات مركزاً لوجستياً مهماً للجماعة.

وترتبط أبوظبي بمصالح اقتصادية واسعة في السودان، إذ كانت تخطط لاستثمارات بمليارات الدولارات في ميناء على البحر الأحمر وأراضٍ زراعية قبل اندلاع الحرب، كما تجمعها علاقات وثيقة بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي سبق أن أرسل آلاف المقاتلين للمشاركة في الحرب إلى جانب الإمارات في اليمن.

ورغم طلبات متكررة للتعليق، لم ترد الإمارات أو قوات الدعم السريع على أسئلة رويترز، بينما تواصل الأخيرة نفي تلقيها أي دعم خارجي. في المقابل، دأب الجيش السوداني على اتهام الجماعة باستخدام ليبيا كقناة لتهريب السلاح، وقدم في سبتمبر شكوى إلى الأمم المتحدة تحدث فيها عن مرور مرتزقة أجانب عبر الكفرة لدعم قوات الدعم السريع.

ويخضع شرق وجنوب ليبيا، بما في ذلك منطقة الكفرة، لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي نفى مراراً دعم أي طرف في النزاع السوداني. وقال مسؤول عسكري ليبي في الكفرة إن رحلات الشحن الجوي كانت تنقل مدنيين وعناصر أمن بين مطارات ليبية، نافياً وجود مقاتلين من قوات الدعم السريع في المنطقة.

وتشير تقارير دولية إلى أن إعادة تنشيط مطار الكفرة جاءت بعد تعقيد استخدام مسارات إمداد أخرى، لا سيما عبر تشاد، ما جعل "الممر الليبي" نقطة ارتكاز رئيسية لإمدادات قوات الدعم السريع، خاصة بعد انتقال مركز ثقل الحرب إلى دارفور.

وتظهر بيانات تتبع الرحلات أن بعض طائرات الشحن التي هبطت في الكفرة كانت تُشغَّل من قبل شركات طيران سبق اتهامها في تقارير أممية بالتورط في نقل أسلحة من الإمارات إلى أطراف إقليمية. ورغم نفي أبوظبي المتكرر لهذه الاتهامات، ترى رويترز أن الأدلة المتراكمة تشير إلى دور متزايد لمطار الكفرة في تغذية الصراع السوداني، بما ينذر بمزيد من التعقيد الإقليمي للحرب المستمرة.